ثورة لا تنصر الله ، فالله
لن ينصرها
بقلم / منجي باكير
لاشكّ أنّ سُنن الله في
هذا الكون ماضية وفق مُراد الله منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض و من عليها
، و ما البشر في هذا المضيّ إلاّ أدوات من جملة بقيّة الأدوات التي تتفاعل و تساهم
في جدليّة حراك الحياة الدّنيا بإذن الله خالقها لتنفيذ مُراده و تقديره بتجسيد
مسار هذه الحياة و جميع العناصر المرتبطة
بها .
و كلّ بصيرة واعية تدرك
تمام الإدراك أنّ كلّ حادثة أو مستجدّ أو تحوّل أو تدافع أو تغيير حتما وراءه قوّة
الله سبحانه ، و ما الصّور التي تطفح على مسرح هذه الأحداث إلاّ ترجمة واقعيّة ،
محكمة البناء ، منظّمة التسلسل و مضبوطة الغائيّة ...
إذ جاءت الثورة
التونسيّة انتفاضا على الظلم و الجوْر و الطغيان ، طلبا للحقوق المغتصبة و رفضا
للقهر و الإستعباد و التسخير ، ثورة أشعلت فتيلها الطبقات المحرومة و المستضعفة في
الأرض ، ثورة اندلعت شرارتها بلا تنظيم مسبق و لا تأطير و بلا توقيت مسبّق ، و لا
تستند كذلك إلى ( قوّة ضاربة ) و لا تمتلك من الدّفع المادّي ما يكافؤها مقابل آلة
البطش و نظام الجنرال البوليسي .
لكن مع كلّ ضعف هذه المعطيات – المطلوبة عقلا و
منطقا – انتصرت الثورة التونسيّة و حقّقت أكثر من مرادها و فرّ المخلوع مذموما
مدحورا ..
برغم القبضة الحديديّة
التي كانت تمسك هذا الشّعب ، و برغم جبروت الجنرال – العسكري –و برغم الحصار المفروض
و برغم القوّة الجارفة التي واجهت أولى خطوات الثورة فإنّ النّصر كان حليفها في
أيّام معدودات و بنحوِ أذهل جميع المتابعين و باغت أعتى و أذكى المخابرات
العالميّة ،،،
طبعا – و بكلّ المعايير
و التفاسير – لم يكن ليحدث هذا لو لم تكن تساهيل الأسباب من الله بأن ألقى الرّعب
في قلب الدكتاتور و أحاطه بالخوف و الهلع
، و أربك كيد زبانيّته و فكّ خيوط تواصل المنظومة الأمنيّة لتسقط سقطة واحدة ... لتنتهي في بعض السّويعات أسطورة -عقود -بن علي المريرة و يخرّ بناء الفرعنة و
الطّغيان
و تتشتّت عصابات السوء
خوفا و هربا ،،،،
و لولا هذا الرّعب الذي
زلزل ساكني قرطاج و الخوف الذي أنزله الله على قلب الدكتاتور فأعمى بصيرته و شتّت
ذهنه و أعدم تفكيره ، لولا هذا لاستجمع بن علي قواه و ركّز عقله ،،، لشنّ حملة
بوليسيّة مضادّة و لجعلها مجزرة تجري الدّماء فيها سواقي ، فله من البوليس الموالي
ما يكفي لاحتلال أكثر الولايات تمرّدا و
لدجّجهم بالسلاح و أغدق عليهم الأموال التي - لا تعوزه – و تسيل لعاب كثير من الفاسدين
و المنافقين و ممّن باعوا ضمائرهم ....و
بذلك يسهل عليه إخماد الثورة و وأد مسارها تمهيدا لموجة من الإعتقالات و المحاكمات
العسكريّة .
لكـن ،،، تمّ مراد الله و نفذ وعده بانتصارالحق وسقوط
الباطل – إنّ الباطل كان زهوقا - سقطت أعتى دكتاتوريات العصر الحديث بسلاح دموع الغلابى و دعاء المظلومين و
المعذّبين و المشرّدين و الميتّمين ، بدعاء الماسكين بدينهم وسط جمر قوّادة و
زبانيّة ذاك النّظام ، سقط نتيجة لتفشّي
الظلم و الفساد و الرّبا و الزنا و
استحلال المحرّمات و استفحال المعاصي سرّا و جهرا ،،، سقط النظام البنفسجي بتوفيق من عندالله
- و ما النّصر إلا من عند الله –
لكــــن بعد هذا النّصر
المبين و بعد أن منّ الله على الذين كانوا مستضعفين فمكّنهم قيادة هذا الشّعب و
جعلهم الوارثين ، و فكّ الأغلال التي كانت تكبّل نفس هذا الشعب و تحسب عليه أنفاسه
، بعد هذا تجرّدت كل النّصال لتحارب دين الله و انفتحت كل الأفواه المغلقة –الصّدئة
- و الأيادي العابثة لزرع الفتن و ترويج الفساد الفكري و المادّي ، بل استعانوا
بأعداء الشعب و الأمّة لإقصاء حكم الله و رفض شرعه و ألّبوا البعيد و القريب للتنصّل من مواثيق الله و مواريث الأعراف و إعمال الفتن و الجهر بالمعاصي و التباري في نشر الرّذائل و
معاندة الحقّ ،،،
فصار الحال إلى ما أتعس
و الوضع إلى ما أنكد و أفسد .
كما انخرط من طوّع الله
لهم الأسباب في مسلسلات التنازلات و أدمنوا المقايضات و خانوا العهود حتّى انحسر
تواجدهم و فرّطوا في المكاسب ، بل ساهموا بإرادة و بلا إرادة في استقواء قوى الردّة
و الشّذوذ الفكري . و تألّبت على البلاد الأمم و تكالبت عليها شركات رأس المال ...
فهل ننتظر مدّا من
اللّه و هل ستقوم لنا قائمة ما دمنا على ما نحن عليه ؟ أم أنّ معوّلنا على القوى الخارجيّة و تمويلات
البنك الدّولي و صدقات الدول الشّقيقة ستعيضنا عن عون الله و ستجعل من تونس جنّة الأرض ؟؟؟
طبعا لن يكون هذا ما
دام الفعل و التحرّك في اتّجاه ما لا يرضي الله ، طبعا : ثورة لا تنصر الله ،
فالله لن ينصرها ..!
هناك تعليق واحد:
أسأل الله أن يصلح الحال في جميع الأقطار الاسلامية أخي الكريم
إرسال تعليق