من كرْبل السّياحة ، لماذا لا يكربل الفلاحة
بقلم / منجي باكير
قد تكون السّياحة رافدا من روافد المال ، و قد
تشكّل بابا لإضفاء بعض الحركيّة في السّوق الإقتصاديّة ،،، لكن ما يعرفه الخبراء و
يقدّره العارفون بأنّ هذه النّشوة الإقتصاديّة لها سلبيّات و مضارّ ذلك أكثر من
المنافع ،،،،
و لهذا سعت كثير من الدّول التي لها باع في
السّياحة إلى خلق مشاريع موازية و خططا بديلة ، ذلك لأنّ السّياحة ترتبط بكثير من
العوامل كالوضع الإقتصادي العالمي و حالة الأمن و الإستقرار الدّاخلي للبلدان
المضيفة و الحروب و غيرها .
و لقد دأبت تونس منذ الإستقلال على الترويج
للسياحة و العزف على أوتار الضرورات الإقتصاديّة و حاجة البلاد لتوفير العملة
الصّعبة و غير ذلك من الحجج ، لكن منذ الإستقلال أيضا بقي الحال على ما هو عليه لوضعنا الإقتصادي الذي
لم يشهد ( الطفرة ) الموعودة و التي يبشّر لها دوما المسوّقين للسياحة .
فالسياحة التونسيّة أوّلا ساهمت في تكريس تقسيم
البلاد تنمويّا ، لتزدهر سواحل البلاد و تنفصل عن عمقها وينحصر اهتمام الحكومات
المتعاقبة على – تونس السّياحيّة – و يبقى داخل البلاد يعاني التهميش و الفقر و
البطالة و الضّياع .
السياحة ساهمت أيضا في الإختلال الديموغرافي و
هجرة الشباب من مواطنهم إلى أضواء المدن السّياحيّة ليحدث الفراغ في الدّاخل و رفض
العمل الفلاحي مقابل بطالة تتزايد داخل المدن تدفع حتما إلى تغذية عالم الجريمة
بكلّ انواعها .
و الأهم أنّ النّصيب الأوفر من عائدات السياحة
حتما يستقرّ في جيوب أباطرة رأس المال ، و لا تنتفع البلاد إلا بنزر قليل مقابل
توفير بنية تحتيّة و خدمات من الطراز الرفيع ( لْعيون السوّاح ) لا تتوفّر لكثير
من المناطق ، و قد يتبخّر هذا النّزر مع الإمتيازات و التهرّبات الجبائيّة ..
السّياحة كرّست النفور لدى الشّباب من كلّ
الأعمال اليدويّة و صرفت الطاقات الشّابة عن الخلق و الإبتكار و أغلقت كل العقول
الطامحة إلى ثروة طائلة تأتي مع إحدى العجائز التي تجود بها رياح السّياحة ..!
هذه هي السياحة في تونس و هذا ما جنيناه منها
طيلة العقود الماضية و لن نجني أكثر من هذا ، بلاد اختصروها في عنوان خاسر طيلة
عقود من الزّمن ، فخسرت العقول و السّواعد و أهملت باقي المقدّرات و على رأسها
الفلاحة ..
لنا من الأراضي ما ينبت ( ذهبا ) و لنا من
المياه ما يكفي لذلك و العوامل المناخيّة أكثر من مساعدة ، كما أنّه لنا من
السّواعد المحالة قسرا على البطالة أكثر و أكثر ،، فقط تنقصنا الإرادة السّياسيّة
التي أهملت طيلة العقود الماضية و لازالت كلّ اهتمام بالفلاحة بكلّ قطاعاتها ، و
استهانت بالحوافز للإشتغال بها ، و لم توليها المكانة التي تجب في مخطّطات التنمية
، و لم ترصد ما يشجع على إحيا ء الأراضي و استصلاحها ، حتى غدت الأراضي الخصبة و
الصّالحة بوارا و جفّت الينابيع الطبيعيّة و صعب استجلاب المياه من باطن الأرض ،،
و لم يبق قائما من الفلاحة إلاّ بعض الغراسات و المنابت ذات المردود الربحي
السّريع لا تفي بالإكتفاء و لا تكوّن رصيدا فلاحيا مستقبليّا واعدا ...
فهلاّ انتبهت الحكومات اللاّحقة لهذا الخور ، و
هلاّ تداركت ما ينتظرنا و الأجيال التي تلينا جرّاء هذا الإهمال المتعمّد للقطاع
الفلاحي من احتياج كليّ للإستيراد و من مزيد الإرتباط و الإرتهان للخارج ؟
هل تبادر ب( كربلة ) الفلاحة كما فعلت مع
السياحة و صنعت معها ما تصنعه مع النّشاط السياحي و جعلت على رأس وزارتها من يفقه
واقعها و جنّدت لها ما تجنّده من دعم و دراسات و بنى لوجستيّة و غيرها من
المتطلّبات ؟؟؟
هذا ما ترجوه ( الوطنيّة ) وحبّ هذه البلاد و ما
يدعوه واجب خدمة الصّالح العام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق