دروس من الهجرة ، إسقاط على واقع الفرد و الأمّة
بقلم / منجي باكير
يوم آخر و سنة هجريّة جديدة تُطلّ على أمّة
الإسلام خلال الأيام القادمة ، يوم يؤرّخ و يخلّد لذكرى سامية في حياة المسلمين ،
يوم هجرة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه و سلّم من مكّة إلى المدينة ، هجرة كان
بعدها مباشرة التمكين لقيام أوّل دولة مدنيّة لدين الإسلام بعد أن كان التكوين لها
في مكّة المكرّمة .
دأب المسلمون على إحياء هذه الذّكرى على مرّ
القرون الماضية و مازالوا على هذا العهد ، لكن هل يوفي هؤلاء المسلمين حقّ هذه
الذكرى العظيمة ، هل جعلوا من أيّام وقوعها أحداثا مفصليّة سواء على مستوى الأفراد
أو الجماعات و الدّول ؟
إنّ أكبر عنوان يستفاد منه من الهجرة هي أنّ الإيمان
يقتضي تقديم و تفضيل العقيدة على كلّ شيء
من الدّنيا ، كمافعله المعلّم الأعظم و صحبه الذين هاجروا معه ، تركوا أهاليهم و
عشيرتهم و أموالهم و جاههم و تغلّبوا على أهواء نفوسهم و
هاجروا بدون ترتيب مسبق و لا تقديم أموال ،،،
هاجروا للّه و رسوله مقدّمين عقيدتهم ، مناصرين لدينهم و مآزرين لرسولهم في نوايا و أفعال خالصة من أيّ شوائب ، خالية
من الأهواء و الخوف و الأطماع و الحسابات ...
فعلوا ذلك و علم الله ما في قلوبهم من تقديم
مراده على مراداتهم و ترجيح دينه على ما تميل له نفوسهم فملّكم من بعدها نواصي
الملوك و أورثهم القصور و الكنوز و فتح لهم بلاد الدّنيا في مشارق الأرض و مغاربها
و جعلهم أئمّة للنّاس على قاعدة من ترك
شيئا للّه عوّضه الله خيرا ممّا ترك ، و بما أنّه لا يصلح حال آخر هذه الأمّة إلاّ
بما صلُح به أوّلها فإنّ الأمّة الإسلاميّة اليوم إن تمسّكت بعقيدتها و رجعت إلى
شريعة الله و رسوله و اعتزّت بدينها و ناصرت الحقّ و نبذت كلّ ولاء إلاّ لله و
للمؤمنين وأقامت حكم الله في الأرض و رفعت لواء الدّعوة إلى الله و أحيت الأمر
بالمعروف و النّهي عن المنكر و اعتزّت بدينها و قدّمت العقيدة على الأهواء و
المغريات ثمّ توحّدت تحت راية لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله لتجعلها سبيل
الخلاص و تقطع أيّ سبيل غيرها فإنّه بإذن الله ستستعيد عزّتها و تقوى شوكتها و لمّا
تستنصر الله ينصرها و يمضي فيها سُنن عباده الصّالحين فتخرّ لها الجبابرة و تلين
لها الصّعاب و يملّكها قيادة الدّنيا بأسرها بشرعه و حكمه ،،، و إن واصلت تراخيها
و بُعدها عن منهاج الله و رسوله و رضيت بالقعود و أخلدت إلى الأرض و تواصل حال
التفرقة فيها تحت شعارات فرضها أعداؤها ليقزّموها ، شعارات الوطنيّة و القوميّة و
الحزبيّة و قدّست حدود ساسبيكو فإنّ الهوان سيلفّها أكثر و الإذلال سيعمّها أكثر و التبعيّة ستلازمها أكثر .
و لهــــــذا كان على الأمّة انطلاقا من أفرادها
و كلُّ من موقعه و بالإمكانيّات التي جعله الله قيّما عليها أن يسعى لاسثمار هذه
الذكرى السّامية فيجعل منها نقطة انطلاق و بوّابة جديدة للإرتقاء بنفسه و ذلك بالرّجوع
إلى جليْ عقيدته و السّعي للبناء عليها
بناء فكريّا و سلوكيّا ينطلق من ذات العقيدة و يستقيم مع تعاليمها و متطلّباتها و
يفي بموجباتها ..
كما ينظر في سُبُل الدّفع نحو توحيد الصّفوف و مدّ
جسور التواصل و إبطال ما علق بواقع الأمّة
من تدليس للتاريخ و تشويه للحضارة و تغريب عن الدّين و الهويّة .
و لا يتمّ هذا و نحوه إلاّ متى كان الجهد من عين
الفكرة ، فيكون رسم خارطة العمل باستقراء و إسقاط مناقب و مميّزات الهجرة النبويّة
، الهجرة التي حفّها التخطيط المحكم ، النيّة الخالصة لوجه الله تعالى بعيدا عن
الأهواء و العصبيّة و الإنتصار لأيّ سبيل سوى الإنتصار لدين الله و تقديم العقيدة
على ما سواها من مغريات الدّنيا ، التوكّل على الله و استحضار معيّة الله سبحانه و تعالى ، تعاطي
الأسباب و السّعي لتذليل العقبات ، الصّبر على المكاره و الإبتلاءات ، التدرّج في
مراحل العمل و تقدير المعطيات و الإمكانيات و تقييم المُنجز بالنّسبة للهدف في
إطار موجبات العقيدة و في إطار أحكامها و ضوابطها ...
كذلك لابدّ من الإيمان المطلق أنّ الدّولة
الإسلاميّة هي حقيقة مطلقة و مثال حيّ قابل للتطبيق يتّخذ صفة العالميّة و يرنو
نحوها ، و أنّها – أيّ الدولة الإسلاميّة – سبق أن سجّلت وجودها في تاريخ البشريّة
و وضعت بصمتها الحضاريّة فيها بامتياز و أنّها قابلة للتواجد مرّة أخرى ، فقط وجب علينا الإعداد لها أخلاقيّا و ثقافيّا و اجتماعيّا و علميّا و غيرها من
الأسباب ...
هي الهجرة وهذا هو المطلوب عند الإحتفال بذكراها
باستلهام معانيها و مغازيها ثمّ توظيفها عمليّا في صالح الفرد المسلم خصوصا و
الأمّة الإسلاميّة عموما .
الزمن الجميل : يقظة فكر ، دعوة لإحياء روح الزّمن الجميل و إعمال العقل لبناء الحاضر
الزمن الجميل : يقظة فكر ، دعوة لإحياء روح الزّمن الجميل و إعمال العقل لبناء الحاضر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق