الجمعة، 1 نوفمبر 2013

دروس من الهجرة ، إسقاط على واقع الفرد و الأمّة





دروس من الهجرة ، إسقاط على واقع الفرد و الأمّة
بقلم / منجي باكير

يوم آخر و سنة هجريّة جديدة تُطلّ على أمّة الإسلام خلال الأيام القادمة ، يوم يؤرّخ و يخلّد لذكرى سامية في حياة المسلمين ، يوم هجرة الرّسول الأعظم صلّى الله عليه و سلّم من مكّة إلى المدينة ، هجرة كان بعدها مباشرة التمكين لقيام أوّل دولة مدنيّة لدين الإسلام بعد أن كان التكوين لها في مكّة المكرّمة .

دأب المسلمون على إحياء هذه الذّكرى على مرّ القرون الماضية و مازالوا على هذا العهد ، لكن هل يوفي هؤلاء المسلمين حقّ هذه الذكرى العظيمة ، هل جعلوا من أيّام وقوعها أحداثا مفصليّة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات و الدّول ؟
إنّ أكبر عنوان يستفاد منه من الهجرة هي أنّ الإيمان  يقتضي تقديم و تفضيل العقيدة على كلّ شيء من الدّنيا ، كمافعله المعلّم الأعظم و صحبه الذين هاجروا معه ، تركوا أهاليهم و عشيرتهم و أموالهم و جاههم و تغلّبوا على أهواء نفوسهم و
هاجروا بدون ترتيب مسبق و لا تقديم أموال ،،، هاجروا للّه و رسوله مقدّمين عقيدتهم ، مناصرين لدينهم و مآزرين لرسولهم  في نوايا و أفعال خالصة من أيّ شوائب ، خالية من الأهواء و الخوف و الأطماع و الحسابات ...
فعلوا ذلك و علم الله ما في قلوبهم من تقديم مراده على مراداتهم و ترجيح دينه على ما تميل له نفوسهم فملّكم من بعدها نواصي الملوك و أورثهم القصور و الكنوز و فتح لهم بلاد الدّنيا في مشارق الأرض و مغاربها  و جعلهم أئمّة للنّاس على قاعدة من ترك شيئا للّه عوّضه الله خيرا ممّا ترك ، و بما أنّه لا يصلح حال آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلُح به أوّلها فإنّ الأمّة الإسلاميّة اليوم إن تمسّكت بعقيدتها و رجعت إلى شريعة الله و رسوله و اعتزّت بدينها و ناصرت الحقّ و نبذت كلّ ولاء إلاّ لله و للمؤمنين وأقامت حكم الله في الأرض و رفعت لواء الدّعوة إلى الله و أحيت الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و اعتزّت بدينها و قدّمت العقيدة على الأهواء و المغريات ثمّ توحّدت تحت راية لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله لتجعلها سبيل الخلاص و تقطع أيّ سبيل غيرها فإنّه بإذن الله ستستعيد عزّتها و تقوى شوكتها و لمّا تستنصر الله ينصرها و يمضي فيها سُنن عباده الصّالحين فتخرّ لها الجبابرة و تلين لها الصّعاب و يملّكها قيادة الدّنيا بأسرها بشرعه و حكمه ،،، و إن واصلت تراخيها و بُعدها عن منهاج الله و رسوله و رضيت بالقعود و أخلدت إلى الأرض و تواصل حال التفرقة فيها تحت شعارات فرضها أعداؤها ليقزّموها ، شعارات الوطنيّة و القوميّة و الحزبيّة و قدّست حدود ساسبيكو فإنّ الهوان سيلفّها أكثر و الإذلال سيعمّها أكثر  و التبعيّة ستلازمها أكثر .
و لهــــــذا كان على الأمّة انطلاقا من أفرادها و كلُّ من موقعه و بالإمكانيّات التي جعله الله قيّما عليها أن يسعى لاسثمار هذه الذكرى السّامية فيجعل منها نقطة انطلاق و بوّابة جديدة للإرتقاء بنفسه و ذلك بالرّجوع إلى جليْ عقيدته  و السّعي للبناء عليها بناء فكريّا و سلوكيّا ينطلق من ذات العقيدة و يستقيم مع تعاليمها و متطلّباتها و يفي بموجباتها ..
كما  ينظر في سُبُل الدّفع نحو توحيد الصّفوف و مدّ جسور التواصل و إبطال ما علق بواقع  الأمّة من تدليس للتاريخ و تشويه للحضارة و تغريب عن الدّين و الهويّة  .
و لا يتمّ هذا و نحوه إلاّ متى كان الجهد من عين الفكرة ، فيكون رسم خارطة العمل باستقراء و إسقاط مناقب و مميّزات الهجرة النبويّة ، الهجرة التي حفّها التخطيط المحكم ، النيّة الخالصة لوجه الله تعالى بعيدا عن الأهواء و العصبيّة و الإنتصار لأيّ سبيل سوى الإنتصار لدين الله و تقديم العقيدة على ما سواها من مغريات الدّنيا ، التوكّل على الله  و استحضار معيّة الله سبحانه و تعالى ، تعاطي الأسباب و السّعي لتذليل العقبات ، الصّبر على المكاره و الإبتلاءات ، التدرّج في مراحل العمل و تقدير المعطيات و الإمكانيات و تقييم المُنجز بالنّسبة للهدف في إطار موجبات العقيدة و في إطار أحكامها و ضوابطها ...
كذلك لابدّ من الإيمان المطلق أنّ الدّولة الإسلاميّة هي حقيقة مطلقة و مثال حيّ قابل للتطبيق يتّخذ صفة العالميّة و يرنو نحوها ، و أنّها – أيّ الدولة الإسلاميّة – سبق أن سجّلت وجودها في تاريخ البشريّة و وضعت بصمتها الحضاريّة فيها بامتياز و أنّها قابلة للتواجد  مرّة أخرى ،  فقط وجب علينا الإعداد لها أخلاقيّا  و ثقافيّا و اجتماعيّا و علميّا و غيرها من الأسباب ...
هي الهجرة وهذا هو المطلوب عند الإحتفال بذكراها باستلهام معانيها و مغازيها ثمّ توظيفها عمليّا في صالح الفرد المسلم خصوصا و الأمّة الإسلاميّة عموما .


 الزمن الجميل : يقظة فكر ، دعوة لإحياء روح الزّمن الجميل و إعمال العقل لبناء الحاضر

ليست هناك تعليقات: