بقلم / منجي بــــاكير
متابعة للحراك السّياسي في تونس و ما يرافقه من مواقف و تصريحات و توجّهات يُلاحظ أنّ مجمل
السلوك السّياسي العامّ و على مختلف أصعدته يصبّ في إتّجاه موحّد يدفع استخلاصا
للقول بأنّه قد يكون تحضيرا حثيثا وسعيا ثابت الخطى و الوقْع لتحديد جيوبوليتكيا تونسيّة
خاصّة جدّا ذات مواصفات و ملامح محدّدة سلفا ،و ذات خطوط عريضة على مقاس معيّن لتخدم
إحتياجات مرحليّة أكيدة لكنّها مقنّننة .
هذا القول قد يجد ما يؤيّده في ما يجري اليوم على أرض الواقع من أحداث تزكّي بعضها البعض و تكمل بعضها أيضا بل يجمعها رابط دقيق لا يجد مبرّرا له إلاّ ما أوردنا سابقا ، هذه الأحداث تتجسّم بداية في التراخي الملحوظ إزاء تقديم قانون تحصين الثورة على أنظار المجلس التأسيسي و ما رافقه من إحجام لكثير من التيارات و النوّاب على المضيّ قُدُما في العمل على تفعيله ، ثمانون و نيف من النّواب فقط هم من ظلّوا متمسّكين بالمبدإ لكنّهم في المقابل لم يجدوا الصّدى المطلوب بل واجهوا تجاهلا نسبوه إلى سكرتارية المجلس و رئيسه الذي تقول الأخبار أنّه يعارض قانون التحصين و الغموض يكتنف سبب ذلك و دوافعه ، و مايزيد الأمر إشكالا التوجّه الأخير من مكتب المجلس التأسيسي إلى التّفكير في تكوين مرصد للتبّع الجزائي لكلّ ما يراه مسّا من هيبته و منظوريه و هو ما يضفي عليه ربّما و على أعماله مستقبلا هالة من القداسة ليتمتّع بنوع من الحصانة عن الخوض الإعلامي. في ذات السّياق يروج أنّ هناك نيّة لطرح مشروعِ ما يلغي عقوبة الإعدام و آخر للبحث في إمكانيّة مساواة الرجل بالمرأة في الميراث بعد أن أستُبعد تبنّي الإعتراف بالمِثليّة الجنسيّة و الذي يرجّح العارفون بالعلاقات الدوليّة أنّ من نتائج إسقاطه أن كان إعفاء أوروبا لعائلة و أقرباء المخلوع من التتبّعات الصّادرة في شأنهم و رفع يد دولها على الأموال التي يطالب التونسيون بها في نطاق استرداد الأموال المنهوبة .مع هذا يضاف الحديث عن موضوع قانون الإرهاب الذي تدعوابعض الأطراف إلى إعادة سريان مفعوله بما يحمله من تعدّيات و حظر على الحقوق و الحريّات ، ،،
أمّا ما يزيد تثبيتا لهذا هو
ما تتداوله كثير من المواقع بأّن الأمنيين بصدد وضع اللّمسات الأخيرة على مشروع
قانون لحمايتهم و عائلاتهم و هو حسب ما
تسرّب منه يتضمّن فصولا قاسية من شأنها أن تؤسّس لدولة بوليسيّة من جديد و تدفع
نحو تكريسها بعد أن ثار الشعب على مثلها زمن المخلوع ، ،
كما أنّ المواجهات الأخيرة مع السّلفيين التي اتّسمت بمعالجة أمنيّة
قويّة و تبنّي الحكومة مواقفا علنيّة ضدّهم زادت من حدّة ردّة الفعل و التصعيد
مقابل تساهلها مع تحرّكات العلمانيين و
إثاراتهم و النقابيين و إضراباتهم المتواترة و العشوائيّة التي أضرّت بالإقتصاد
الوطني .
كذلك ما حام حول مفاوضات صندوق النّقد الدّولي و ضبابيّة الشروط التي
يضعها مقابل إسناد القروض إلى تونس و ما رافقتها من تعليقات لعلّ أهمّها ما صدع به
قيادي بارز في حركة النّهضة و ما ربطه بين تلك الشروط و موقف الحكومة ضدّ أنصار
الشريعة ..
كلّ ما سلف ذكره و ما أصبحت تتضمّنه سواء التصريحات الحكوميّة أو التي
تصدر عن بعض قيادات النّهضة يتجمّع في مسار واحد يدعو إلى الشكّ و الريبة و يضع
الكثير من التساؤلات ، هل هناك دفع قويّ داخليّ أو زيادة من الضغوطات الخارجيّة
لحشر السّياسة التونسيّة في مربّع معيّن حتّى تكون أنموذجا يحظى بالرّضاء و يضمن إستمراريّة
نوعيّة الحكم و هويّة منفّذيه ؟ هل يُراد لتونس بعد ثورات الرّبيع العربي و ما أدّت إليه من خلط جديد
للأوراق في السياسات الدوليّة و تغيّر معطيات العلاقات بين الدّول و خصوصا بعد أن
صعد نجم الإسلاميين و تولّيهم كراسي الحكم ، هل يُراد لتونس أن تكون نموذجا يحوز
على رضا القوى الفاعلة و المتحكّمة في المنطقة فتجعل منها عنوانا جامعا بين الرضا
الشعبي واستمراريّة مصالح هذه القوى و بالتّالي يسهل إعادة نسخه في باقي دول
الربيع العربي ؟؟
هناك تعليق واحد:
السلام عليكم...
لا أظن أن الوصول إلى تلك المعادلة ممكن على الرغم من أن هذا الظن قد يوصم بالتطرف وعدم القدرة على التعايش مع الآخر!
مع أن الله تعالى يقول: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، فكيف لنا أن نتوقع من مسلم يرفض إملاءات الغرب والعلمانيين أن يحظى منهم بالقبول والرضا؟ وكيف لنا أن نتوقع منهم المهادنة؟
إرسال تعليق