الإغتراب السياسي و حزب–الكَنَبة –قد يكون
ملاذ التونسيين
بقلم / منجي باكير
من بعد الثورة و ما تلاها من حملات إنتخابيّة
حملت معها كثيرا من الشعارات الفضفاضة و الوعود المستحيلة و الترويج للحلول
السّحريّة من معظم الأحزاب و الأشخاص الذين – هرولوا – إلى محاولات إثبات كينونتهم
و تركيز وجودهم داخل الوعي الشعبي التونسي
المتعطّش أصلا ولعهودا طويلة إلى التعدّدية الحقيقيّة و التنافس النّزيه و الإنتخابات الشفّافة
الديمقراطيّة و يفتقر افتقارا مزمنا إلى
الإنتماء العلني و نُصرة من يرى فيه ما تراوده أحلامه في تحقيقه سواء على مستوى
الفكر أو كذلك على مستوى الواقع المادّي ...
قلنا إذا كانت الحملة الإنتخابيّة و كان الباب
فيها واسعا حيث تمكّن الكلّ من أن يغنّي على ليلاه فمنهم من وعد بالضغط على
الأسعار و منهم من وعد بإغراق التونسيين في جنّات من النّعيم و منهم من وعد بتغيير
أحوال الرعيّة إلى أرغد العيش في لمح البصر و منهم من وعد ببناء قنطرة فوق
المتوسّط و منهم من وعد بالرجوع إلى شريعة الله و ردّ الإعتبار لدين الله الذي
غرّبه و همّشه الحكّام السّابقون و منهم
من وعد بأن يأتِ بما لم تستطعه الأوائل و ليس في أوراق الحاضرين و المتقدّمين ،،
لكــــن
كما يقول موروثنا الشعبي في الأمثال – يطولْ السّفر و يترخى الطّفرْ- بمرور
الوقت رغم قصر المدّة تعرّى المستور و انكشف و زال بريق الوعود و جدّ الجدّ ،
فسقطت الشعارات و ضاعت التنظيرات و غاب الشعور بالوطنيّة و نكران الذّات و ظهر
عوضا عن ذلك الجري وراء المصالح الحزبيّة الضيّقة و التناحر على الكراسي و سال لعاب الأكثريّة لسيولة الأموال و الجاه ،،،
غابت مصطلحات الطبقة الشغّيلة و الدّفاع عن الحقوق و الإحساس بالفقراء و المناطق
المهمّشة ، اندثرت اللغة الثوريّة و تلاشت قوالب الإنحياز إلى الشعب و الحريّة و
الكرامة و باقي المشتقّات التحرّريّة ، لتحلّ محلّها التكتّلات الحزبيّة العمياء و
تكوين الجبهات الجوفاء و النداءات العدميّة للإنقلابات والدّخول في الصراعات الوسخة
و – التكمبين – و عرقلة مسار التنمية و تعطيل مسالك الإنتاج و إثارة الفتن ،،، و
صار في كل مئذنة حاوي ينادي و يستقطب من سهُل استقطابه و يعلن النّفير العامّ –
الحربي – لجرّ البلاد إلى الفوضى و تقويض السّلم الإجتماعي ،،، هذا قابله و يقابله
تخاذل و عجز مفرط من جانب من أعطاهم صندوق الإنتخابات حق المسك بدواليب الدّولة و فوّضهم
لرعاية مصالح الشعب و الذود عنها و تطبيق قوانين البلاد لحماية الأغلبيّة و تيسير
الخروج بالبلاد من دوائر الإنتقالي و المؤقّت ...
كما فرّط الفائزون و نكسوا وعودهم التي طالما
سوّقوا لها و بشّروا بها و انتابتهم حمّى التنازلات المجّانيّة غير عابئين بما قطعوا
العهد عليه و ألزموا أنفسهم به فصدّقهم غالبيّة العمق الشعبي و على ذلك كان نصيبهم
الأوفر في الإنتخابات ،،،
وسط كلّ هذه الغوغائيّة في المشهد السّياسي و مع
كلّ هذه الرّعونة و الخروقات في التعاطي مع الشأن السياسي العام من كلّ الأحزاب
الفاعلة بقيت الكتلة الكبرى من الشعب
منهمكة في أعمالها اليوميّة تتابع
المجريات بصمت لا تشغلها إلاّ مسيرة البناء و الترميم وهي لا تتدّخر جهدا في الدّفع بالبلاد
إقتصاديّا و اجتماعيّا نحو الأفضل ،،،
لكنّها بالمقابل هي تتّقد غضبا و حنقا من هذه
المكوّنات التي تمسك بأزرار التصعيدات و
المزايدات و المتاجرة بالبلاد و العباد و الإستقواء بالخارج لاختطاف البلاد إلى
وجهات غير محمودة العواقب بدافع مصالحهم الشّخصيّة أو خدمة لولاءاتهم الحزبية الأنانية .كما أنّهم سئموا المواقف
السلبيّة التي أصبحت تميّز أحزاب السّلطة و مهادنتها المريبة لكلّ ما يهدّد أمن
البلاد و استقرارها و تساهلهم مع الخطابات الإحباطيّة و التحريضيّ.
الكتلة الكبرى من الشعب أصبحت تعايش – رغما عنها
-الإغتراب السياسي وسط هذه التناقضات و الممارسات المنافية لأخلاقيات السّياسة
الرّشيدة و أصول العمل الحزبي الوطني ، بل غالبيّتهم ندموا على أصواتهم التي أدلوا
بها سابقا ليشعروا بعقد الذّنب أنّهم كانوا سببا لتصعيد كثير من الوجوه أو الأحزاب
...و خيّروا – قسرا – اللّوذ بالصّمت آنيّا و الإمساك عن مناصرة أي فصيل حزبي مهما كان لونه أو توجّهه لينخرطوا
في – حزب الكَنَبة –
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق