الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

الرّجال و أزمة منتصف العمر



قرّاء و أوفياء الزمن الجميل نقلت لكم هنا هذا الموضوع لصبغته العلميّة و أهمّيته في حياتنا العامّة و الخاصّة حتّى نلقي الضوء على خبايا مكامن الرّجل في المرحلة العمريّة 40 / 50 سنة  لتحليلها و سبر أغوارها...
لمعرفة كيفيّة التصرّف  الصّادر عنها أو نحوها ،،، وهذه  المعرفة هي ضرورة  قُصوى  لتلافي كثيرا من المحظورات و عدم السّقوط في كثير من المشاكل العائليّة ....

منجي 

***

الرّجال و أزمة منتصف العمر


أزمة منتصف العمر ليست مرضاً
هناك صور مختلفة لأزمة منتصف العمر عند الرجل، وكيف يتعامل معها بأشكال مختلفة تتناسب مع طبيعة شخصيته والظروف المحيطة به.
وأزمة منتصف العمر ليست في حد ذاتها مرضاً، ولكن مضاعفاتها يمكن أن تكون مرضاً كالقلق والاكتئاب والأعراض النفس-جسمية.
وهذه الأزمة تحدث تقريباً بين الأربعين والخمسين من العمر، وقد تحدث قبل ذلك أو بعد ذلك في بعض الرجال، فوقتها ليس محدداً تماماً. وفي هذه الأزمة يقف الرجل ويجري عملية محاسبة لنفسه عن ماضيه وحاضره ومستقبله، وقد تبدو له سنوات عمره الماضية وكأنها كابوس ثقيل، فهو غير راض عما تحقق فيها، ويشعر أنه فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلامه على كل المستويات وأنه كان يجري وراء سراب، وبحسابات الحاضر هو أيضاً خاسر، لأنه ضيع عمره هباء ولم يعد يملك شيئاً ذا قيمة فقد أنهكت قواه وذهب شبابه وضحى بفرص كثيرة من أجل استقرار أسرته، ومع هذا لا يقدر أحد تضحياته، ولذلك يشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميه. حتى المبادئ والقيم التي عاش يعلي من قيمتها أصبحت تبدو الآن شيئاً باهتاً، فلم يعد يرى لها القيمة نفسها، ولم يعد متحمساً لشيء ولا مهتماً بأي شيء ذي قيمة في المستقبل، فقد خارت قواه وانطفأ حماسه واكتشف أن الناس لا يستحقون التضحية من أجلهم، وأن المبادئ التي عاش لها لم يعد لها قيمة في هذه الحياة، وأن رفاق الطريق قد تغيروا وأصبحوا يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم بأي شكل وتخلوا عن كل مبادئهم وشعاراتهم التي رفعوها إبان فترة شبابهم، ولم يعد يخفف عنه آلام هذه المشاعر غير الوقوف بخشوع في الصلاة وقراءة القرآن.
أحياناً يشعر الرجل أنه يريد أن يبدأ صفحة جديدة من حياته، ولكن ذلك يستلزم الابتعاد عن الزوجة والأولاد والتحرر من قيودهم، وبالفعل بدأ يتغيب كثيراً عن المنزل ويرتبط بمجموعة من الأصدقاء الجدد الأصغر سناً، فتحوا أمامه أبواباً متعددة للمتعة وقضاء الأوقات، وقد أحس معهم (ومعهن) أن شبابه قد عاد، وبدأ يهتم بنفسه، ويبالغ في ذلك الاهتمام حتى اتهمته زوجته في يوم من الأيام بأنه متصابي. نعم هو يشعر أنه يعود مراهقاً من جديد، ويفرح أحياناً بهذا الشعور، ولكنه يفزع حين يشعر أن الأمر ربما يخرج عن سيطرته، فقد أصبح ضعيفاً أمام الجنس الآخر أكثر من ذي قبل، وأصبح يتمنى أشياء لا تناسب سنه. إنه يشعر أنه ظمآن وضعيف أمام أي قطرة ماء تلوح له في الأفق، خصوصاً أن الساقي الأصلي (الزوجة)  أصبحت تضن عليه بقطرة الود والحنان، ولولا بقية من دين وحياء لسقط في كثير من الاختبارات والإغراءات التي يمر بها كل يوم.
وأحياناً يشعر بالاشمئزاز من نفسه فيهمل مظهره ويفضل العزلة بعيداً عن الناس ويفقد الاهتمام بكل ما حوله.
وفي لحظات أخرى يميل إلى الزهد في الحياة فيقبل على الصلاة والصيام وقراءة القرآن فيستعيد صفاءه وتوازنه من جديد ويرضى بما قسمه الله له، ويعترف بأنه فقد أشياء كثيرة كرجل شاب، ولكنه اكتسب أشياء أخرى كأب وكقيادي في عمله. ثم تدور الأيام دورتها ويفكر مرة أخرى في اللحاق بالفرص الأخيرة للحياة قبل أن يغادره شبابه وتألقه ووسامته ويلقى في غياهب النسيان والإهمال، فيفكر في الزواج من فتاة صغيرة تعيد إليه شبابه ويبدأ معها حياة جديدة، ولكنه يعود فيتذكر أبناءه وبناته وما ينتظرهم من معاناة حين تتهدم الأسرة بسببه .
هذه هي بعض معالم أزمة منتصف العمر التي يمر بها كثير من الرجال ، ولكن يدركها بأبعادها بعضهم ممن لديه درجة عالية من الوعي والإحساس .
وبعض الرجال يتقبل الأمر بسهولة، وتمر هذه المرحلة بلا مشاكل خصوصاً في الرجال الناضجين، حيث يدرك أنه ربما يكون قد خسر بعض شبابه ووسامته وتألقه، ولكنه كسب مساحات كبيرة كأب حنون وموظف ناجح أو رائد في مجال عمله واهتمامه .
وفريق ثان من الرجال يشعرون بآلام الأزمة ولكنهم يتحملون ويقاومون في صمت، ويحاولون إخفاء الأزمة عمن حولهم، ولذلك تظهر عليهم بعض الأعراض النفسجسمية كآلام وتقلصات البطن أو صعوبة التنفس أو آلام المفاصل أو الصداع المزمن أو ارتفاع ضغط الدم.
وفريق رابع يفضلون الإنطواء والعزلة بعيداً عن تيار  الحياة ويمارسون واجباتهم الوظيفية والعائلية في أدنى مستوى ممكن . وفريق خامس يزهد في الحياة وينصرف إلى العبادة ويتسامى فوق رغبات البشر ويشعر بالصفاء والطمأنينة والأنس بالله.
وفريق سادس يستغرق في العمل والنشاط والنجاح في مجالات كثيرة على أمل التعويض عن الإحساس بالإحباط والفشل في الحياة الماضية .
وفريق سابع يلجأ إلى التصابي والتصرف كمراهق في ملابسه وسلوكه، وربما يستعجل الواحد منهم الفرصة التي يعتبرها أخيرة (نظراً لقرب غروب شمس الشباب) فيقع في المحظور. أما الفريق الثامن من أولئك الذين يعانون أزمة منتصف العمر فإنهم يتحولون إلى المرض النفسي كالقلق أو الاكتئاب أو الهستيريا  أو توهم المرض أو الرهاب أو أي اضطراب نفسي آخر. وحين يصاب أحدهم بالاكتئاب فإنه ربما يكون من نوع الاكتئاب النعاب (الزنان – الشكّاء) فهو لا يكف عن الشكوى، ولا يستجيب للعلاج، وكأن اكتئابه وشكواه المستمرين يحققان له شيئاً ما، ربما يكونان حماية له من التفكير في أشياء أكثر عمقاً وأكثر تهديداً.
****

الحل والعلاج
قبل وقوع الأزمة:
 • نستعد لمواجهة هذه الأزمة قبل حدوثها وذلك بتحقيق إنجازات حقيقية راسخة ومتراكمة في مراحل الشباب، وأن لا نضيع سنوات الإنتاج هباء، وأن يكون في حياتنا توازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين حتى لا نكتشف في لحظة أننا ضيعنا عمرنا من أجل إنسان لم يقدر هذا العطاء بل تنكر له وجحده في غمضة عين.
• أن يكون لدينا أهداف نحاول تحقيقها وأهداف بديلة نتوجه إليها في حالة إخفاقنا في تحقيق الأهداف الأولى، فالبدائل تقي الإنسان من الوقوف في الطرق المسدودة. والواقع يقول إن الحياة مليئة بالخيارات، وإذا انسد طريق فهناك ألف طريق آخر يمكن أن يفتح، وإذا فقد الرجل بعض شبابه أو فقد فرصاً في حياته الماضية فقد اكتسب الكثير من النضج والخبرة والوعي والقدرة على القيادة في العمل وفي الأسرة. وإذا كان قد فقد هويته كشاب وسيم ذي شعر أسمر فقد اكتسب رجولة ناضجة وتأثيراً أكبر في الحياة .
• نحرص على أن تكون لحياتنا معنى يتجاوز حدود ذاتنا.. هذا المعنى الذي يربطنا بالخلود ويجعل حياتنا الدنيا عبارة عن حلقة من حلقات وجودنا الممتد في الدنيا والآخرة ، وبالتالي نتقبل كل مراحل عمرنا برضى وسعادة .
 • وجود علاقة قوية بالله تحمينا من تقلبات الأيام وجحود البشر
أما إذا وقعت الأزمة فعلاً:
فإن علماء النفس ينصحون الرجل بأن يتحدث عن مشاعره لقريب أو صديق يثق في أمانته، فإن ذلك التنفيس يسهل عليه مرور الأزمة بسلام، وإذا لم يجد فرصة لذلك فلا مانع من اللجوء لأحد علماء الدين أو أحد المتخصصين في العلاج النفسي، فهؤلاء يمكن أن يقدموا المشورة والمساندة.
وبعض الرجال ربما يحتاجون لعدد من الجلسات النفسية الفردية أو الجماعية لمساعدتهم على تفهم جوانب الأزمة والتعامل معها بفاعلية أكثر والخروج منها بسلام.
أما الأسرة فعليها واجب المساعدة للأب حين يمر بهذه الأزمة، وذلك من خلال سماع الشكوى وتفهمها وتقديرها، وربما تحتاج الزوجة بشكل خاص تفهم بعض التغيرات التي حدثت أو تحدث لزوجها، وربما تحتاج للتعامل بقدر أكبر من السماح تجاه بعض أخطائه وتجاوزاته في هذه المرحلة، خصوصاً إذا كان قد بدت عليه أعراض ما يسمى بالمراهقة الثانية ووقع أثناءها في بعض الأخطاء أو صدرت منه بعض الزلات أو تورط في زواج ثان أو علاقة أخرى.
أما على مستوى المجتمع فنحن نحتاج إلى نشر الوعي بهذه الحالة الشائكة والتي يعاني منها الكثيرون وأحياناً تؤدي إلى تفكك الأسر وضياع الأبناء. وأخيراً وليس آخراً علينا أن نتذكر أننا نمر في عمرنا بمراحل قدرها الله سبحانه وتعالى وهيأنا لها ولكل مرحلة مزاياها ومشاكلها، وعلينا أن نتقبل ذلك راضين شاكرين، وأن لا نأسى على ما فاتنا فكل شيء يسير بتقدير من الله، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، وأن مردنا في النهاية إلى الله، وأننا نوزن عن أعمالنا الصالحة وقلوبنا المحبة للخير ولا نوزن بأموالنا ووظائفنا أو جمال وجوهنا وأجسادنا "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم". وفى القرآن الكريم إشارة رائعة إلى تلك المرحلة من العمر وكيفية التعامل معها بشكل متوازن، يقول الله تعالى: ".... حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التى أنعمت علىّ وعلى والدىّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإنى من المسلمين، أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون" (الأحقاف 15 و 16)، ففي هذا المشهد نرى من بلغ الأربعين يعيش حالة وعي ممتدة ومتعددة المستويات، فهو يستشعر وجود الله ويشكره على نعمه التى أعطاها إياه فى السنين الماضية ويذكر والديه كجيل سابق (وكيف أنعم الله عليهم) ويذكر ذريته كجيل لاحق (يسأل له الصلاح)، ويتذكر نفسه فى وسط الجيلين فيعلن توبته (كي يتخفف من أعباء الأخطاء الماضية) ويؤكد هويته (كي ترسخ أقدامه فى الوجود) ويسأل الله أن يوفقه للعمل الصالح الذى يكمل مسيرة الوالدين (السابقين) ويكون قدوة للأبناء (اللاحقين)، في سلسلة نقية ونظيفة وصالحة يطمئن الله كل حلقاتها بتقبل أحسن ماعملوا والتجاوز عن السيئات والزلات، وأخيرا الوعد بالجنة.


منقول بتصرّف عن مجلة بلسم العدد 446 لشهر آب 2012.



ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ْ~ 


هناك 6 تعليقات:

زينة زيدان يقول...

مقال متكامل يناقش ويعرض قضية مهمة لمرحلة عمرية ونقطة تحول في حياة الرجل
و قد تواجه المرأة بعض حالات الاكتئاب و تعابي بشكل ما هذه المشكلة

نشكر نقلك للموضوع و عرضه بشكل تفصيلي مفيد

تحيتي لك أخي الكريم

ظلالي البيضاء يقول...

السلام عليكم أخي منجي ..
هذه الحالة نسميها عندنا جهل الأربعين ..
وقد كنت أظنها مجرد نكتة يتناقلها الناس وخاصةً الزوجات ..
أما وقد قاربت علي سن الأربعين ..
فكأنني أجد أعراض هذه الحالة فعلاً ..
أسأل الله العافية .. لي ولكم ..
شكراً لك مع التحية الطيبة

ليلى الصباحى.. lolocat يقول...

للاسف هى حالة منتشرة كثيرا فى بلادنا العربية لان مفاهيم الزواج مختلة ولا يدركها البعض جيدا وكما امرنا بها الاسلام

كثيرون يقدمون على الزواج من باب الروتين فقط ليصبحوا فى نظر المجتمع متزوجون ولا عبأون كثيرا بقيمة الاختيار والتكافؤ الدينى والثقافى والاجتماعى الذى يضمن لهم حياة مستقرة هادئة

قرأت تدوينتك الى ان وصلت لحلول المشكلة الذى كنت انتظره فى الخاتمة وليس على الا ان اقول جزاك الله خيرا استاذى العزيز على النقل الرائع الطيب واصلح الله شأن امتنا كلها ووفق نساءها ورجالها لما يحب ويرضى

تحيات المتجددة لك

كريمة سندي يقول...

بارك الله فيك على هذه الموضوع القيم والاختيار الهام

ريما يقول...

ربما هذا ما يسمى بدور المراهقه الثانيه الى يمر بها معظم الرجال مع تفاوت فى نسبه شدتها ..ممكن جدا ان الرجل الذى يشعر باستقرار عائلى وزوجه تجعله يشعر انه الاهم والاجمل هو الاقل احساسا بازمه منتصف العمر ..
..تحياتى لك استاذى الغالى موقف فى اختيار الوضوع ..دمت بخير ..

just freedom freedom يقول...

واللدي قد تجاوز الخمسين من عمره
وقد بدأ يتصرف تصرفات لامعنى لها
ويقوم بااعمال لامفسر لها

يعني هو اصلا من زمان يحمل تناقضات بداخله
لكنه في السنه الاخيره
اصبح عباره عن تناقض بشري يمشي على الارض

بعد قرأة موضوعك والتمعن فيه
ربما كان يمر بالفعل بأزمة منتصف العمر
حتى انه قدم استقاله مبكره من عمله
حتى يتفرغ لنفسه وشبابه على حد قوله!!