إنّما تنهض المجتمعات و الشّعوب بما لديها من فكر ، فكلّما تواجد لدى
هذه المجتمعات مفكّرون أكفّاء ، كلّما كانت في حال أفضل لفهم الحياة و مدلولات كلّ
الدوائر المرتبطة بها و بالتالي تتمكّن من توظيف نتاج هذا الفكر – الفاعل – في خلق
التطور و فكّ شفرات سننه لدفع الضرر و استجلاب المصلحة و النّفع .
الفكر يمكن أن يكون فكرا إيجابيّا – أبيض – فكرٌ يحمل على عاتقه
مباشرةَ قضايا الإنسان و البحث في مشكلات الحياة لديه و تفسير الإبهامات الحاصلة
عند الفرد و المجتمع التي من شأنها أن تؤخّر نواميس التطوّر و تعرقل حسن استغلال
المؤهلات و تحجب طُرق استثمار الطاقات الكامنة و المتفجّرة ذاتيّا ...
لكنّ هذا الفكر يمكن أن يتأتّى أيضا في شكل فاسد مفسد ، فكر – أسود –
تماما و مقايسةً مع – السّحر الأسود – فهو فكر ينحى طريق الطلاسم و الهرطقات و الشذوذات
و الشّعوذات و كل ما شأنه أن يفسد العقل و
يغيّبه ، بل يختطف مقدّراته إلى متاهات تؤجّج من استفحال و انتشار الأمراض السّلوكيّة
الإجتماعيّة و اللّوثات الفكرية الجسديّة و بالتالي فإنّها تصرف المجتمعات
المستهدفة بهذا الفكر الأسود إلى إشاعة الفساد و استجلاب التهلكة و تصيبه في مقتل
بتقبيح الجميل و تجميل القبيح و خصوصا استباحة معين الفطرة الإنسانيّة فتختلّ
عندها موازين الحقّ و العدل و الفضيلة ومفاهيم الخير و الشرّ و باقي الجماليات
التي هي في الأصل المؤطر الحقيقي لضوابط الأعراف الإجتماعيّة الضّامنة للصّلاح و
الدّافعة لحب البقاء و ما يتطلّبه من تقدير قويم للذّات الإنسانيّة .
هذا الفكر – يتطبّع – غالبا و يدخل في دوائر المسكوت عنه أو المقبول
بالواقع و لا يقف زحفه الفاسد إلا إذا ما عارضه ما يناسبه من فكر قويم ،،، يتطبّع
هذا الفكر كما هو الحال في كثير من بلاد العالم و بلادنا نموْذجا لذلك ، يحصل له
هذا التطبّع و يسهل استئناسه في – الفعل – الإجتماعي و السلوكات الجماعيّة و
المفهوميّات العامّة أكثر إذا ما – تلقّفته – وسائل إعلام تتخذ من صنع الغباء
شعارا و ترضيةً لرأس المال الذي يشغّلها و يوظّفها و يقف وراءها توجيها و استثمارا
قبيحا لا يهمّه إلاّ جشعه و نهمه للمادّة ....
هذا الفكر الأسود هو نذير خراب المجتمعات خصوصا إذا ما باشر الواقع
الأدبي الثقافي أو أدار السّياسة العامّة و ما يتفرّع عنها من السياسات
الإجتماعيّة و الإقتصاديّة و غيرها إذ أنّه يجتثّ المجتمع عن أصوله بخلق التشكيك و
زرع الإحباط و تنمية الإحساس بالنّقص تُجاه – الآخر - ، و هو غالبا فكرا وصوليّا
مصلحيّا ذاتيا لحملته أو فكرا للإيجار الخارجي .
و عليه أنّ كلّ إصلاح شامل يُراد به رفع المظالم و إرساء سبل للتنمية و خلق
الثروة و توزيعها بالعدل لابدّ أن يمرّ من
- بوّابة – إصلاح الواقع الفكري و تطوير – العقليّة – سواء لدى العوامّ من
المجتمع أو لدى مجاميع النّخب و تجريدها من الإنحراف الفكري و الإغواء العقلي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق